العدد صفر
يعد الصّفر أوّل الأعداد وأكثرها تبسيطا وأشدها شهرة ودهشة واستعمالا وأهميّة وروعة . وفي الحقيقة ، يمتاز هذا العدد بمزايا خاصّة استثنائيّة لا يتمتّع بها أيّ عدد آخر ، إذ بعد انتهاء العدد تسعة ، تستعين الأعداد بالصّفر من أجل دورة جديدة ، وحين يصل العدّ إلى التّسعة عشر ، يتدخّل واحد ثان مع الصّفر ، من أجل ابتداء دورة جديدة ثانية . من هنا ، الصّفر بعد أزليّ ، وهو أساس الخلق ، والسّر الذي ترتكز عليه كل الأعداد ، وإليه تعود في النهاية لتتنامى وتعظم . لذلك يرمز الصّفر إلى الاستمرارية ، منه يبتديء كل شيء ، وفيه ينتهي كل شيء ، ويستحيل على الأعداد الاستمرار من دونه .
أهميته :
لا شك أن ما يشهده الناس اليوم من تطور وثّاب في الحضارة المادية ، قائم على هذا الصفر السحري الذي سُهِّل به الترقيم والحساب ، والذي يسّر الله تعالى به طرق أبواب الفضاء ، وسخره ليكون قلب التَّقانة الحديثة على اختلاف أشكالها .
وظيفته الأصلية :
للصفر وظيفتان عظيمتان هما : الدلالة على معنى : لا شيء ، وملء المنزلة الخالية لحفظ ترتيب المنازل .
أصـله :
اختلف المؤرخون في أصل الصفر ومنبته : فرجح اكثرهم - ومنهم الدكتور أحمد سليم سعيدان - أنه هندي الأصل . كما أن العلماء السابقين الذين تكلموا عن الأرقام الهندية والحساب الهندي ، ذكروا الصفر ضمن كلامهم في هذا المقام .
(وقد زعم البعض أن كلمة الصفر العربية تعريب لكلمة الصفر الهندية (Sunya = شونيا) ، وليس هذا بشيء . قال الدكتور سعيد في قصة الأرقام والترقيم "الصفر بمعنى الخلو كلمة عربية أصيلة ، وُجدت من قبل الحساب الهندي ، ومن قبل الإسلام" . ونحوه في مقدمة تحقيق الفصول في الحساب الهندي)
ومال البعض إلى أن الصفر ربما كان من اختراع الإغريق أو الرومان ؛ لأن جداول بطليموس الفلكية (المجسطي) - التي كانت في القرن الثاني الميلادي - فيها إشارة للصفر ، كما أن بعض المخطوطات العربية في الحساب تتكلم عن الصفر الرومي . إلا أن منهم من اقتصر على نسبة صورة الصفر الدائرية للإغريق دون اختراع أصل الصفر ، وذلك لأن الصفر من ابتكار الحضارة البابلية ، وزعموا أن الهنود أخذوا الشكل عن الإغريق . وذهب البعض كما في الفقرة السابقة - إلى أن الصفر من صنع الحضارة البابلية : فالبابليون لم يستعملوا رمزا للصفر ، لكنهم تركوا مكانه فراغاً إلى أن كان آخر عهد الكَلدانيين - وهو من أصحاب الحضارة البابلية أيضا - فجعلوا للصفر رمزا مميزا .
ورأى بعضهم انه من وضع عربي .
ومنهم من جنح إلى أنه صيني الأصل . لكن دُفع بأن الصينيين إنما اقتبسوا الصفر من الهنود أو العرب .
ويبدو أن القول الأول هو الأسبه لاعتماد المتقدمين له ، لأن الأقوال الأخرى لا تستند إلى دليل مقنع .